وإضافة إلى هذا، فإن قتل الحيوانات بدون دراسة للموقف بعناية قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان، صحته وماله وممتلكاته، فقد يؤدي سوء التعامل مع بعض الحيوانات إلى الإخلال بالتوازن البيئي، ومثال ذلك أن قتل القطط في بعض المناطق أدى إلى تزايد أعداد الفئران، حتى أصبحت خطرا كبيرا يحدق بالمحاصيل، بالتالي إلى وقوع خسائر اقتصادية كبيرة للإنسان، أو تحمله أعباء مالية في صنع سموم ومبيدات للتخلص من الفئران...
ومما يُذكر في هذا المقام، أن أهل الجاهلية كانوا يأكلون أسنمة الإبل، وهى حيّة، وكذلك إليات ( جمع: إلية ) الغنم، وكان ذلك يسبب ألما شديدا لتلك الحيوانات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة) رواه ابن ماجه، أي ينطبق عليه حُكم الميتة، أي لا يجوز أكله، وفيه نهى عن تعذيب الحيوان أو إيلامه... كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الحيوان بقطع أذنه أو عضو من أعضائه وهو حى، فقال: (من مثّـل بحيوان فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني.
ولقد عاب القرآن الكريم على أهل الجاهلية ما كانوا يفعلونه من شقّ آذان الأنعام، وجبّ سنام الجمل، وإلية الشاة، وهى حيّـة، فنزل النهي الإلهي عن هذه الأفعال، فقال الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً{117} لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً{119}) [سورة النساء]. ومعنى قوله تعالى: "فليبتكنّ": فليقطعن أو فليشقنّ آذان الأنعام. وبيّـن القرآن الكريم أن هذا من عمل الشيطان...
كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضحية التي قُطعت أذنها أو جزء منها، أو المشقوقة، أو المثقوبة، أو مقطوعة الذنب... كما ذهب الإسلام إلى ما هو أبعد من ذلك، فنهى عن قطع أي جزء من الحيوان قد يضرّ به في المستقبل، كأن يُطع ذيله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابّها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير) رواه أبو داود.
5) النهى عن التحريش بين البهائم، وعن التفريق بين الأم وفراخها:
التحريش هو الإغراء فيما بين الحيوانات وتحريض بعضها على البعض الآخر... وهو ممارسة ضاربة في التاريخ بين الشعوب المختلفة، ولا يزال عدد من شعوب العالم يمارسه إلى الآن، كالإسبان الذين يمارسون مصارعة الثيران، ويصدّرونها إلى أهالي البلاد التي كانوا يستعمرونها، ومصارعة الخيول، ومصارعة الديكة، ومصارعة الكباش، ومصارعة الكلاب... وهناك في إسبانيا (الأندلس سابقا) تؤسس الحظائر لثيران المصارعة، وتقام المهرجانات والمباريات لمصارعتها، وفي كل مرة لابد أن يثخن ثور أو أكثر بجراحه ويموت. وفي الفيليبين تقام حلبات مصارعة الديكة (التوباداي)، وتجري المصارعة في يوم محدد أسبوعيا، ويجري التحريش فيما بينها لتتصارع ويقتل أحدها الآخر، ويربح من يراهن على ديك بعينه.. !! ولقد نهى الإسلام عن التحريش بين الحيوانات، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا السلوك غير القويم.
كما وردت أحاديث نبوية شريفة في حفظ أعشاش الطيور بدون عبث، ونهت عن التفريق بين الأم وفراخها، ومنها: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل رجل فأخرج بيض حمرة ( وهى صنف من الطيور أحمر اللون)، فجاءت الحمرة ترفّ على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أيكم فجع هذه؟)، فقال: أنا يا رسول الله، أخذت بيضها. وفي رواية الحاكم: أخــذت فرخها، فقال ً: (ردّه، ردّه، رحــمة لها). وفي رواية أبي داود: (.. ردّوا ولدها إليها).
وفي سنن أبي داود من حديث عامر قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شئ قد لفّ عليه طرف كسائه، فقال: يا رسول الله: إني لما رأيتك أقبلت فمررت بغيضة شجر، فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن، فوقعن عليهن، فلففتها معهن، وهاهن فيه معي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أتعجبون لرحمة أم الفراخ فراخها؟ )، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال: (فوالذي بعثني نبيا لله أرحم بعباده من أم هؤلاء الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن)، فرجع بهن وأمهن ترفرف عليهن...
6) الإحســان إلى الحيوان عند ذبحــه:
لدينا في الإسلام مجموعة من الآداب التي يجب أن يتأدّب بها المسلم عند ذبحه بهيمة أو طير، للضرورة، وذلك حتى لا تتألم الذبيحة، أو تشعر بالتعذيب، المادي أو المعنوي. فقد روى مسلم وأبو داود والترمذي عن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).... وإلى رحمة النبي بالحيوان عند ذبحه يشير حديث آخر رواه الطبراني والحاكم (في "المستدرك") عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة ( أي جانب وجهها)، وهو يحدّ شـفـرته، وهى تلحــظ إليه ببصرها، فقال: ( أفلا قبل هذا ؟! أوَتريد أن تميتها موتتين؟!)... وبهذا تأسى الصحابة الكرام، وتهذبت نفوسهم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها، فقال له: قدها إلى الموت قودا جميلا..
وقد يسأل جاهل: أليس في الأمر بذبح الأضاحي والهدي في الشريعة الإسلامية تعدي على الطبيعة أو سبيل إلى انقراض أنواع معينة من الحيوان؟ والجواب عليه سهل ميسور، فالبشر منذ بدء الخليقة وهم يتغذون بالحيوان والنبات، ومع ذلك فهى تكاثر وتنام وتزايد، ما لم يكن القتل عشوائيا، وبلا هوادة ولا رحمة بالحيوان، فإن حصل ذلك فقد تنقرض أصناف أو سلالات معينة من الحيوان، أو على الأقل تتناقص تناقصا ينذر باختفائها من الطبيعة... ولكن لما كان الأمر من الله عز وجل، واتباعا لسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن هناك حكمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، ومن أعظم ذلك أن في إزهاق روح بعض الحيوان تقرّبا إلى الله، وفي بعضها دفعا لضررها، وهكذا تتضح الحكمة، وتزول الغشاوة... فلا مبرر، إذن، لما يتشدق به أدعياء الرفق بالحيوان أو أنصار صون الطبيعة، الذين يتهمون المسلمين أنهم بتشريع ذبح الأضاحي والهدي يساهمون في انقراض أصناف من الحيوان، وهذا محض افتراء، فلماذا لم تنقرض هذه الأصناف والأنواع من الحيوان بالرغم من مرور أكثر من 1400 سنة على نزول الشريعة الإسلامية...؟!!
نعود إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرحمة بالحيوان عند ذبحه، فقد روى الطبراني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من رحم ولو ذبيحة عصفور، رحمه الله يوم القيامة). وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رجل: يا رسول الله: إني لأذبح الشاة فأرحمها، فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والشاة إن رحمتها، رحمك الله)...
وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحمته بالذبيحة إلى أبعد حدّ من الإسراع بالذبح واستعمال سكين حادّة، فقد أمر بعدم رؤية حيوان لحيوان آخر يجري ذبحه، فروى عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدّ الشفار (أي آلة الذبح) وأن نواري عن البهائم... وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا ذبح أحدكم فليجهز) رواه ابن ماجه.
7) حـقوق أخـرى متنوعة:
ومن حقوق الحيوان في لشريعة الإسلامية، أيضا، حقه في الوقاية من المرض وعلاجه، وحمايته من الأمراض المعدية، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يوردنّ ممرض على مصحّ)، والممرض هو الحيوان المريض الذي يعدي جاره من الحيوانات الأخرى بمخالطتها... ومن حقوقه، أيضا، توفير بيئة نظيفة لمعيشته، فقد نهى الإسلام عن تلويث الماء والنبات والهواء والتربة، حتى لا تفسد صحة الحيوان... ومن حقوقه، أيضا، الاستفادة منه بأفضل أسلوب، لقول الله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{3} خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{4} وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8} وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ{9}[سورة النحل]، وقوله تعــالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{80}[سورة النحل]... ومن حقوقه، أيضا، دراسته علميا، لقول الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{45}[سورة النور]، وقوله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{69})[سورة النحل]، وذلك للتفكير في خلقه وسلوكه ومنافعه...
وهناك حقوق معنوية للحيوان في الشريعة الإسلامية، فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى ناقة لزوجة أبي ذر الغفاري لكي تنقلها من مكة إلى المدينة، فحلفت لتذبحنّها لله إذا ما أوصلتها آمنة إلى المدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا قلت؟! أهذا حقّ وفائها؟!)، أي أبَعد صُحبتها لك يكون جزاء الناقة هو الذبح؟! كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذبح الشاة الحلوب، لما فيه من إعدام الانتفاع بلبنها بلا ضرورة، مادام غيرها يُغني عنها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إياك والحلوب)، وفي لفظ آخر: (إياك وذات الدر).
• الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في رعاية الحيوان:
اقتدى الصحابة والتابعين والبعض ممن تلاهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاهتموا بالحيوان اهتماما ملحوظا، رحمة ورفقا ورعاية وعناية، والآثار الواردة في هذا الموضوع كثيرة، نذكر منها:
يقول مالك: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مـرّ بحمار عليه لبن (أي طوب من الطين)، فوضع عنه طوبتين، فأتت مالكته لعمر فقالت: يا عمر: مالك وحماري؟ ألك عليه سلطان؟ فقال عمر: فما يقعدني (أي يمنعني) في هذا الموضع ( أي الوقف أو الحالة)؟! وعقّب ابن رشد على قول عمر، فقال: المعنى في هذا واضح، لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ( كلكم راع وكلكم مســئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته... ). وقد قال عمر رضي الله عنه - في مثل هذا -: لو مات جمل بشاطئ الفرات ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنه. وفي طبقات ابن سعد عن المسيب بن دايم، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب حمّالا، وقال: لم تُحمّل بعيرك مالا يطيق ؟!
وعن وهب بن كيسان أن عبدالله بن عمر رضي الله عنه رأى راعى غنم في مكان قبيح، وقد رأى ابن عمر مكانا أمثل منه، فقال ابن عمر: ويحك يا راعى الغنم!! حوّلها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل راع مسئول عن رعيته...). وعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا حدّ شفرة وأخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر رضي الله عنه بالدرّة، وقال: أتعذب الروح ؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها ؟
وفي فضائل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ( وهو من خلفاء الدولة الأموية، ومن كثرة صلاحه وانتشار عدله سمّاه المؤرخون: "خامس الخلفاء الراشدين"، وهو حفيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) لابن عبد الحكم أن عمر كتب إلى صاحب السكك (أي رئيس، أو مدير، إدارة المرور والسير) ألاّ يسمحوا لأحد بإلجام دابته بلجام ثقيل، ولا بنخسها بمقرعة في أسفلها حديدة... وكتب، أيضا، إلى عامله (مندوبه أو واليه) بمصر: بلغني أن بمصر إبلا نقّالات يُحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاك كتابي هذا، فلا أعرفن أنه يُحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل... وأمر المحتسب (الشرطي) أن يمنع تحميل الدواب فوق ما تطيق، أو تعذيبها وضربها أثناء السير، ولديه الصلاحية لتأديب ومعاقبة من يراه يفعل ذلك.... وعن أبي عثمان الثقفي قال: كان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يعمل على بغل له يأتيه بدرهم كل يوم، فجاء يوما بدرهم ونصف، فقال: أما بدا لك ؟ قال: نفقت السوق، قال: لا، ولكنك أتعبت البغل ! أجمه (أي أرحه) ثلاثة أيام...
وروى معاوية بن قرة أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال لجمله "دمون" عندما حضرته الوفاة، يا دمون: لا تخاصمني عند ربي، فإني لم أكن أحمل عليك إلاّ ما تطيق...
وقد بلغ الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - أن رجلاً وراء النهر يروي أحاديث ثلاثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحل إليه، ولما ورد عليه وجده يطعم كلباً، فسلم عليه، فردّ الرجل السلام، ثم اشتغل بإطعام الكلب، ولم يلتفت إليه، حتى انتهى، فقال: لعلك وجدت في نفسك إذ أقبلتُ على الكلب ولم أقبل عليك، قال الإمام أحمد: نعم، فقال الرجل: حدثني أبو الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامة، فلم يلج الجنة ). ثم قال الرجل: وأرضنا هذه ليس فيها كلاب، وقد قصدني هذا فخفت أن أقطــع رجاءه، فقال الإمام أحمد: يكفيني هذا الحديث...
• جولة مع الأحــكام الفقهية المتعلقة بالحــيوان:
شغل الحيوان في الفقه الإسلامي أبوابا غير قليلة، ومنها: "باب الطهارة"، فتحدث الفقهاء عن: سؤر ما يؤكل لحمه، سؤر البغل والحمار وجوارح الطير، سؤر الهرة، سؤر الكلب والخنزير... ومنها: "باب النجاسة"، فتحدث الفقهاء في: الميتة، الدم، لحم الخنزير، بول وروث مالا يؤكل لحمه، الجلاّلة، الكلب، تطهير جلد الميتة... ومنها: "باب الزكاة"، فتحدث الفقهاء في: زكاة الحيوان، وأفردوا لكل صنف من أصناف الحيوان بابا، وحددوا نصاب كل نوع منها، سواء في ذلك الأنعام أم غيرها. وقد تضمنت كتب الفقه الإسلامي: زكاة الإبل، زكاة البقر، زكاة الغنم، زكاة غير الأنعام... ومنها: "باب الهَدي"، ويتناولون فيه: الأفضل في الهدي، ما يجزئ في الهدي، متى تجب البدنة، شروط الهدي، مكان الذبح، استحباب نحر الإبل وذبح غيرها،... ومنها: "باب الحدود"، فتحدث الفقهاء في: إتيان البهيمة،... ومنها: "باب الجنايات"، فتحدث الفقهاء في: ضمان (أي مسئولية) صاحب الدابة، ضمان القائد والراكب والسائق، الدابة الموقوفة، ضمان ما أتلفته المواشي، ضمان ما أتلفته الطيور، ضمان ما أصابه الكلب أو الهرّ،...ومنها: "باب الإجارة"، فتحدث الفقهاء في: استئجار الدواب،...ومنها: "باب الأطعمة"، فتحدث الفقهاء في: الحلال من الحيوان البحري، الحلال من الحيوان البري، ما نصّ الشارع على حرمته، والمسكوت عنه، إباحة كل ما حُرّم عند الاضطرار، الزكاة الشرعية (الذبح أو النحر)، وما يجب فيها، ذبائح أهل الكتاب،... ومنها: "باب الصيد"، فتحدث الفقهاء في: الصيد الحرام، شروط الصائد، شروط الصيد بالجوارح، شروط الصيد بالسلاح، إدراك الصيد حيّـا،... ومنها: "باب الأضحية"، فتحدث الفقهاء في: حكمة الأضحية، ما لا يجوز أن يُضحّى به، وقت الذبح، توزيع لحم الأضحية، ما يُجزئ عن أهل البيت الواحد،... ومنها: "باب المسابقة"، فتحدث الفقهاء في: حرمة إيذاء الحيوان، والتحريش بين البهائم،،... ومنها: "باب العقيقة"، "باب النفقة"، وغيرها من الأبواب المتعلقة بالحيوان...
وذهب الفقهاء المسلمين في الرفق بالحيوان ورعايته إلى درجة لا ولن تستطيع منظمات حقوق الحيوان، أو جمعيات الرفق بالحيوان، أن تبلغه... فقد وضعوا الأحكام – المستنبطة من القرآن والسنّة – وقرروا القواعد، وفـرّعوا المسائل الدقيقة بما يفوق العدّ ويزيد على الحصر، ويذهل فقهاء القانون المدني في العصر الحديث...