حتى لا ننسى
بوحميدة الصّادق بن معمّر
1910م ـــ 2014
المولد و النشأة :
هو بوحميدة الصّادق بن سي معمّر بن سي التّومي ، ولد سنة 1910م بحي الحفرة العتيق بغارداية ، أمّه بوحميدة امباركة بنت سعيد ، كان وحيد أبويه من الذّكور ، و له أخت واحدة ، نشأ و ترعرع في حي الحفرة بين بيت والديه و بيت خالته التي كانت متعلّقة به فكان يديم المكوث عندها و لا يكاد يفارقها .
رحلة التّعلّم و التعليم :
في سنّ الخامسة من عمره أدخله والده المدرسة القرآنيّة بمسجد " خالد بن الوليد " حي الحفرة فكانت أول مراحل تعلّمه على يد شيخه " زيّان بن الحاج اسماعيل" ، ثمّ واصل حفظه للقرآن الكريم على يد الشيخ الفاضل " الطالب اسماعيل بن زيّان بوحميدة " الذي حفظ على يديه القرآن كاملا و لم يتجاوز من العمر اثنا عشر سنة ، و هي ميزة تنافس فيها جيله على كتاب الله فكان معظم أترابه في تلك الحقبة من حفظة القرآن الكريم فيا له من تنافس عظيم " و في ذلك فليتنافس المتنافسون " .
أمّا فيما يتعلّق بالتعليم الرّسمي فلم يكن بالبلدة سنة 1917م سوى مدرسة وحيدة يُشرف عليها الآباء البيض و لا يُلقّنون للأطفال فيها سوى اللغة الفرنسيّة ، فما كان على الأب إلاّ أن أدخل ابنه الوحيد و المدلّل هذه المدرسة بعد إلحاح ابنه على تعلّم لغة الإستعمار و هو يؤمن بفكرة " من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم أو شرّهم " ، فكان له ذلك المبتغى و هو ابن السابعة من عمره إذ تعلّم اللغة الفرنسيّة لدرجة إتقانها فنال إعجاب معلّميه فاهتمّوا به كثيرا ، ممّا جعله يوما ما معلّما للغة الفرنسيّة بنفس المدرسة وذلك في خمسينيّات القرن الماضي فتخرّج عللى يديه أجيال كُثر كان و لا يزال الكثير منهم في مناصب إداريّة مرموقة .
لم يمكث " الطالب الصّادق " في مهنة التّعليم طويلا ربّما لسبب رغبته القويّة في التحرّر من قبضة الآباء البيض الذين كانوا متشبّتين به كثيرا مقابل عدم فتحهم المجال لكل أبناء العرب في التّعلّم و تضييق الخناق عليهم الأمر الذي جعل الطّالب الصّادق يُطلّق التعليم بالثلاث ، و يبحث عن وظيفة جديدة تليق به و بجلب الرّزق لعائلته التي كانت تتميّز بالكفاف و العفاف و البساطة .
المهنة الجديدة :
لم يكن يعرف " الطّالب الصّادق " غير التّعليم فما هي الوظيفة التي سيتعلّمها لتغطيّة حاجيات اسرته يا ترى ؟؟ كانت رغبته الجديدة هي تعلّم فنّ الحلاقة فأرسله والده إلى صديق له بالسوق من أجل تعليمه الحلاقة فكان له الأمر حتى تعلّمها بل و أتقنها ففتح دكانا استأجره والده بشارع " الشهيد عيسى اعمير " من الحاج دربال خذير و ظل " الطالب الصّادق يحترف هذه المهنة مدة طويلة من الزّمن ، فكان المحل المستأجر محلّ حلاقة خاص بالرّجل ، كما كان المحلّ أيضا مكان التقاء المجاهدين ، و محلّ اجتماعاتهم السّريّة ، إذ كان عمله التنسيق بين مجاهدي الولايات المجاورة : المنيعة ، الأغواط ، ورقلة ...كان صديقه " زعطوط بلخير" ابن مدينة المخادمة هو الواسطة في هذه العملية ، ( نقل الرّسائل ، الالبسة ، المخطّطات ، الأسلحة..) .
بعد الإستقلال مباشرة نقل " الطّالب الصّادق " محلّ الحلاقة إلى حي الحفرة حيث ظلّ فترة طويلة يمتهن هذه الحرفة حتى شعر بالتّعب و عدم القدرة على الوقوف و متابعة المهنة فتوقّف عنها إلى غير رجعة .
العمل و النشاط الإجتماعيّ :
ممّا يُعرف عن " الطّالب الصّادق " أنّه من الأوائل الذين أحيوا فرقة الأفراح و الأتراح التّابعة لمسجد " خالد بن الوليد " رفقة الطّالب " مسعود بن عزوز" ، " الحاج دربال خذير " ، " الحاج ابراهيم أولاد ابراهيم " ...فتركوا لنا رصيدا هائلا من القصائد و الألحان التي ما زالت تتداولها الأجيال إلى يوم النّاس هذا .
و ممّا بلغنا من الأجيال القديمة أنّه كان من مؤسسي فريق شباب الحفرة سنة 1958م و الذي تحوّل فيما بعد إلى ( الوداد الرّياضي غارداية) برئاسة " زرباني مرزوق " .
كما أنّه رحمه الله تعالى من من مؤسسي (جمعيّة الوحدة) الخيريّة سنة 1980م رفقة ثلّة من الأوفياء لوحدة الكلمة و الصّف أمثال " الحاج علي بوفاتح " ، و " جمال الدّين بوحميدة " .. و قد اقترح على الجمعيّة منذ زمن بعيد فكرة تنظيم الزّواج الجماعي تسهيلا على الميسورين من أبناء المجتمع الذين يقف الجانب الماديّ حائلا بينهم و بين تيسير الزّواج .
عرف عنه رحمه الله حبّ القراءة و المطالعة طوال الوقت فكانت له حجرة في بيته خصّها كمكتبة خاصة له كلّما دخلنا عليه الغرفة وجدناه منهمكا في القراءة ، و ما زالت مكتبته عامرة بأمات الكتب النّفيسة و الغالية في قيمته أذكر أنني اطلعت على بعض العناوين في صغري و لا زلت أذكر بعضها إلى اليوم مثل " العقد الفريد لإبن عبد ربّه " " يسألونك في الدّين و الحياة لأحمد الشرباصي " " إحياء علوم الدّين لأبي حامد الغزالي " .....
ممّا عُرف عن " الطّالب الصّادق " أنّه كان محبّا لعمل الخير فكان يهتم بالتطوّع لفائدة القابر خاصة " مقبرة أولاد بوحميدة " ، و يساهم بالتّيرعات لفائدة المساجد " إذ كان يشتري القماش الذي يصنع منه الأكفان و يضعها في خدمة المسجد و يطلب من الحاج ارهيو ـ رحمه الله ـ ان يضعها في خدمة المعوزين و عابري السبيل الذين يتوفاهم الأجل دون أن يجدوا من يُجهزهم ، و كان طول حياته يقوم بهذا العمل دون أن يعلم به أحد من النّاس .
الكل كان يعرف " الطّالب الصّادقّ " الصغير و الكبير ، الكلّ يكنّ له الإحترام و التبجيل ، فكان كثير المزاح و النّكتة ، يخرج من فمه كلام فيه من الحكمة ما هو بلسم للنفس و غذاء للفكر و الرّوح ، عقله يتجاوب مع الجميع ، فلا تكاد تجلس معه جِلسة إلاّ و أمتعك بها ، و تخلو جلساته من التّاريخ و الحكم و القرآن ... فلا يندم من جالسه أبدا ، مكانه المفضّل صباحا هو ( الجماعة ) رفقة شيوخ الحي أمثال : إبراهيم فروجة ، أحمد مجلاخ ، عمر مروشة ، قادة بن سي امحمّد .....
وفاته :
إثر الأحداث الأليمة التي عرفتها بلدة غارداية ، و لكبر سنّه غادر بيته إلى غير رجعة نحو ضاية بن ضحوة إثر تحطيم بيته و تخريبه مكث مدّة قصيرة جدا في بيته بالضاية و في يوم الخميس 10 أفريل 2014م أصيب بوعكة صحّية بعد أن أدّى صلاة العصر رفع سبابته للشهادة و يفارق الحياة بعدها مباشرة ، دُفن رحمه الله يوم الجمعة 11أفريل 2014م بالقرب من قير أبيه و جدّه الوليّ الصّالح " سيدي امحمّد " و ذلك بضاية بن ضحوة .
رحمه الله و غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر و جعل بركته في ذرّيته من بعده آمين يا ربّ العالمين .
الأستاذ : ع / أولادعبد الله